لماذا تفشل السيدات في قيادة السيارات؟
أعرف أنني أعرّضُ نفسي للنقد الشديد من قبل الرجال والذين قد يثوروا عليّ لكتابة هذا المقال الذي قد يكون منحازاً للدفاع عن السيدات. ولكني أردت أن أتناول الموضوع من جانب علمي دون اتباع الصورة النمطية السائدة. والعجيب أن زوجتي عندما رأتني أكتب هذا المقال افترضت أنني سأهاجم السيدات حتى أنها مزحت قائلة “لابد أنك ستسثنيني” مع أنها الأسوأ في قيادة السيارات.
لا شك أن تلك الصورة النمطية والافتراضات بأن النساء سائقات أقل كفاءة مقارنة بالرجال تسيطر على المجتمع. على الرغم من الدراسات والإحصائيات العديدة التي تثبت العكس، فإن هذه النمطية ما تزال تستمر في مختلف الثقافات حول العالم. لكن لماذا يعتقد البعض أن النساء سيئات في القيادة؟
يرتبط الأمر بكثير من الأفكار المتوارثة والتحيزات الفكرية على مدار سنوات ولذا سنتناول الموضوع على أكثر من سياق ناظرين إلى أكثر من جانب لنفنده.
وفي هذا البحث عن النساء وقيادة السيارات سأحاول بقدر الإمكان تقديم أدلة علمية وموضوعية لشرح الأمر من منظور علمي وكأنها دراسة علمية عن قيادة السيارة للسيدات.
السياق التاريخي والثقافي
يعود الاعتقاد بأن النساء سيئات في القيادة إلى الصور النمطية التاريخية التي رسمت النساء على أنهن هشات وغير مستقرات عاطفياً ويفتقرن إلى القدرات الجسدية والعقلية المطلوبة لمهام مثل القيادة. كانت هذه الصور النمطية سائدة في وقت كانت فيه النساء مستبعدات من العديد من مجالات الحياة العامة، بما في ذلك القيادة والمهن التي تتطلب الحركة (المصدر: IIHS)
الإحصائيات والواقع
على عكس الاعتقاد الشائع، فقد دحضت العديد من الدراسات، بما في ذلك البحوث التي أجراها معهد التأمين على سلامة الطرق (IIHS) وإدارة السلامة المرورية الوطنية (NHTSA)، الخرافة بأن النساء هن أسوأ سائقات من الرجال. تسلط هذه الدراسات الضوء على أن الرجال أكثر عرضة لحوادث الوفاة وممارسة سلوكيات القيادة الأكثر خطورة مثل السرعة والقيادة تحت تأثير الكحول وعدم استخدام أحزمة الأمان.
الانحياز التأكيدي
إذا فكرنا بموضوعية فستلاحظ أنك إن صببتَ تركيزك على شئ فلن تجد منه إلا ما تكره، وهكذا نحن نسمع من كل الرجال والشباب بأن السيدات سيئات في قيادة السيارات وأنهن يصبن الرجال بالشلل من قلة براعتهن في القيادة.
بمجرد أن تتجذر الصورة النمطية، يميل الانحياز التأكيدي إلى تعزيزها. يميل الناس إلى ملاحظة وتذكر الحالات التي تؤكد معتقداتهم الحالية مع تجاهل أو تقليل الأدلة المعاكسة. تدعم دراسات في مجلات مثل Psychological Science و Behavioral Studies فكرة أن الانحياز التأكيدي يسهم في تثبيت الخرافة بأن النساء سيئات في القيادة.
الخبرة القليلة
معظم السيدات تجدهن يتجهن لمدارس تعليم القيادة للنساء وبعد ذلك يستخرجن رخصة القيادة ثم ينطلقن على الطريق، وفي بلادنا العربية قليلاً ما يلتزم السائقون بتعاليم وقواعد المرور وهنا تجد المرأة نفسها في تجربة عملية غريبة عن تلك التي تعلمتها في دروس تعلم القيادة للسيدات ويتعين عليها أن تكتسب الخبرة العملية من الطريق وبالطريقة الصعبة. ولهذا نرى معظم السيدات في السيارات وكأنهن يقدن السيارات لأول مرة.
الخلفية الثقافية
في خلفيتنا وثقافتنا العربية بالتحديد لا تميل السيدات إلى قيادة السيارات من الأساس وبالتالي فإن خبرتهن بقيادة السيارات حديثة وقليلة مقارنة بالرجال.
تلعب القيم والتشكيل الاجتماعي دوراً كبيراً في تثبيت هذه الصورة النمطية. قد تُثنى بشكل غير مباشر عن الفتيات من المشاركة في الأنشطة المعتبرة نمطيةً كالقيادة، مما يمكن أن يؤدي إلى نقص الثقة أثناء القيادة. تدعم هذه الفكرة الأبحاث التي أجريت في Journal of Safety Research التي تستكشف تأثير التشكيل الاجتماعي على سلوك القيادة.
كيف نتجاوز هذه الصورة النمطية (لمَن يريد)
أولاً وهذا رأيي الشخصي، على السيدات أن تنتبه أكثر أثناء القيادة لأنني شخصياً تعرضتُ لأمور أثناء القيادة وأخطرها كان من السيدات، ولا أنكر أيضاً أنني قابلت سائقات سيارات أفضل بكثير من الرجال. لمواجهة هذه الصورة النمطية، من الضروري تحديها وتفنيدها في كل مرة تظهر فيها. وقد تساهم وسائل الإعلام في تغيير الانطباعات الاجتماعية.
في الختام، يُعتبر الاعتقاد بأن النساء سيئات في القيادة نمطية متجذرة بعمق في الانحيازات التاريخية، والانحياز التأكيدي، والتشكيل الثقافي، ونقص الأسس الواقعية. من خلال الاعتراف بالأدلة من المصادر الموثوقة والعمل الفعّال على تحدي وتغيير الانطباعات المجتمعية، يمكننا التوجه نحو رؤية أكثر تكافؤًا ونزاهة لقدرات القيادة، بغض النظر عن الجنس.