يرى السواد الأعظم والغالبية العظمة من الباحثين أن زواج الشخص بمن يُشببه له دور كبير في شعوره بالسعادة، ولكن هل معنى ذلك أن تخلو حياة الشخص الذي يتزوج بمن يُشبهه من أي مشاكل أو مُشاحنات زوجية؟!
في هذا المقال سنتعرّف معًا أهم مميزات وفوائد الزواج بمن يُشبهكَ/يُشبهكِ، وما هي المُشاكل المُحتملة، وما هي وجهات نظر الأبحاث التي تم إعدادها في هذا الشأن. وهل هناك في القرآن أو في السنة النبوية الشريفة أي نصائح تخصّ هذا الأمر؟ هذا ما سنعرفه جميعًا في هذه المقالة، وحتى لا اُطيل عليكم، هيا بنا نخوض ونقرأ هذا المقال الدسم.
تشابه الشخصيات في الزواج
لا شك أن مسألة تشابه الأزواج في ثقافتهم وأخلاقهم وطباعهم وسلوكياتهم، وحتى في مستواهم الاجتماعي له دورٌ كبيرٌ في نجاح هذا الزواج! بل يرى عُلماء النفس أن التشابه بين الأزواج له فوائد حقيقية، وأهم فائدة في هذه الفوائد، هي “قبول الآخر”، فكلّما كان التشابه كبيرًا، كان القبول أكبر وأكثر.
كما أودّ الإشارة إلى أنّه قد تم إجراء دراسات وأبحاث عالمية عن هذا الأمر، وتم نشر تجارب شخصية عن أهم عنصر في الزواج الناجح، ألا وهو التشابه بين الأزواج، إذ تختلف الشخصيات بالطبع، وثمة نمطان رئيسان للشخصيات بشكل عام، وهما:
أولا: الشخصية الاجتماعية، وهي تلك الشخصية التي تتمتع بعلاقات كثيرة، وتحب الاختلاط والتوافق والأنشطة الحركية. وثانيًا: الشخصية الانطوائية، وهي شخصية غير اجتماعية، وتُفضّل دائمًا البقاء في المنزل، أو عدم الاختلاط بالناس، أو عدم بناء العلاقات الكثيرة، اللهم إلا بعض العلاقات العابرة، فإذا تزوج مثلًا شخص انطوائي من أُنثى اجتماعية، سينتج عن هذه الزيجة على الغالب الكثير من المشاكل، وذلك لاختلاف الطباع، حتى لو توافقت عوامل أخرى، مثل الجانب الثقافي والعلمي والمادي وغير ذلك.
ما هي فوائد الزواج بمن يُشبهني؟
1-قلّة المشاكل والمشاحنات الزوجية: متى كان الزوجان متشابهين في الصفات والأخلاق والمستوى الاجتماعي والثقافي والمادي، اختصرا طريقا طويلا محفوفا بالمشاكل، ونجحت العلاقة الزوجية مقارنة بغيرها.
2- الحب بين الزوجين: عند تشابه الزوجان في معظم صفاتهما، يحصل بينهما انسجام عاطفي، ويتولّد الحبب الطاهر الشريف بينهما، إذ باتفاقهما في معظم الأمور، يضمنان حياة سعيدة مليئة بالحب.
3- الشعور بالأمان: لا شك أن الزوجين الذين يعيشان في حالة من التشابه، يُشعران بالانسجام والحب بينهما، وبناءً عليه، يشعران بالأمان مع بعضهما، والذي بدوره ينتقل إلى أطفالهما، فيعيشون جميعًا حياة سعيدة مليئة بالحب والأمان.
4- الاستقرار النفسي: متى كان الزوجان مُتشابهان في صفاتهما وثقافتهما، يتولّد الاستقرار النفسي، فيشعر الزوج والزوجة بالاستقرار في حياتهما، وتنجح علاقتهما، وتختفي معظم المشاكل التي تنشأ بين الزوجين غير المتشابهين.
هل ينصح القرآن أو السنة النبوية بالزواج من يُشبهك؟
رغّب الإسلام في مراعاة الخلق، والدين عند اتخاذ قرار الزواج، فمن كان صاحب دين، أي مُتديّنا، خُلقه رفيع، فقد امتلك أهم الشروط والصفات المعتبرة. وقد روى الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه؛ فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك.
عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تخيروا لنطفكم، وأنكحوا الأكفاء» (ابن ماجه).
إذًا، حث الإسلام على الكفاءة والتوافق بين الزوجين، وأن يكون مُتماثلان في أهم الشروط، سواءً في الجانب الديني، والأخلاقي، والثقافي، والاجتماعي، والمادي، فكلّما تجمّعت هذه الصفات، نجح الزواج، ونجحت العلاقة الزوجية بين الزوجين.
هل يُمكن أن يؤثر التشابه بين الزوجين على حياتهما؟
إن التشابه بين الزوجين قد يكون له أضرار، وإن قلّت، كما يكون له فوائد، ولا تتعجب من ذلك، فسأرد عليك بالأمثلة وبدراسات وأبحاث تم إجرائها في هذا الشأن.
أجرى فريق فان شبينغن تحليلًا على مدى تأثير تشابه الصفات بين الزوجين، وتوصّل إلى أنه ثمّة بعض الصفات التي إن تشابهت إلى حد التطابق، ستُصبح حياة الزوجين مملة، ليس بها ما يُميّزها.
وهنا يقصد فان شبينعن، أن مثلًا صفة كصفة الانطوائية في الطباع الشخصية، التي إن حملها الزوج والزوجة معًا، أُصيبا كليهما بالملل، فتتحوّل حياتهما إلى حياة روتينية بحتة، خالية من أي جديد. ولكن إن كان الزوج مثلًا ذا شخصية اجتماعية قليلة، يُحب التواصل وإقامة العلاقات والانخراط بالناس، ولو قليلًا، وكانت الزوجة انطوائية بقدر قليل، تُصبح حياتهما متوزانة بقدرٍ ما.
والشاهد: وهو ما توصّلت إليه هذه الدراسة التي أجراها فريق شبينغن، أن التشابه الكبير بين الزوجين مُفيد، لكنّ به بعض الأضرار أيضًا.
أمثلة على ذلك:
1-إن كانت الزوجة غيورة وكان الزوج غيورًا: هذه الصفة التي إن اجتمعت في كلا الزوجين، صارت حياتهما جحيمًا، خاصة، إن كانت هذه الغيرة تصل إلى حد الغيرة المذمومة، وهي الغيرة الزائدة عن اللازم والضروري.
2- الاهتمام بأدق التفاصيل: إن اجتمعت صفة التدقيق هذه في الزوجين، خلت حياة الزوجين من الاستقرار وراحة البال، فهنا سيتوجّب على الزوجة أن تُراعي أهم وأدق تفاصيل قد تُحزن زوجها أو تُشعره بعدم الرضا والسعادة، وسيقوم الزوج بالمثل، وهنا سيكون كلاهما مُضطرين إلى التدقيق في أفعالهما باستمرار، كي لا يغضب أيّ منهما. وبذلك، تختفي صفة راحة البال بين الزوجين، فالأصل في الزواج المودة والرحة والاستقرار وراحة البال وبناء بيتٍ تسكنه المودة، ويملئه الحُب.
الخاتمة
هذه المقالة لتقديم وجهات نظرٍ فحسب، وأبحاثٍ تم إجرائها في هذا الشأن، وعلى كل راغبٍ في الزواج، وراغبة في الزواج، أن تحكم على تجربتها من منظورها، مع مراعاة التشابه أو عدم التشابه، فما ينطبق على فلان، لا ينطبق على غيره. فالأصل في الزواج والغاية منه، الاستجابة إلى سنة الله في الأرض، فقال تعالى: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الذاريات:49)، وقال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ) (يس:36).
المصادر
https://www.bbc.com/future/article/20181011-are-relationships-better-if-partners-are-more-similar