أمامك هنا عزيزي القارئ صورتان بالاقمار الصناعية لشعب واحد ولكنهما دولتان مختلفتان بأنظمة سياسية مختلفة. أحدهما دولة مؤسسات والاخرى دولة تقدس الأفراد، وكلاهما تبدآن بحرف الكاف… هل عرفتهما؟
نعم إنهما كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية.والآن بعد أن نشطت دماغك قليلاً لابد أولا أن نفهم مصطلحين يتناولهما كتاب “لماذا تفشل الأمم” لأني سأشير لهما مراراً وتكراراً في المقالة.
أولاً: “أنظمة حاضنة” وهى الأنظمة أو الدول التي تتيح الفرص للجميع وفي هذه الأنظمة يحكي القانون الجميع دون تفرقة في المناصب أو حتى الشهادات العملية.
وفي هذه الدول لديك أساسيات ومنها نظام تعليم قوي يتيح الفرص الجميع ويمكن الدارس من الإبداع. وتقوم هذه الانظمة أيضاً على مبدأ المحافظة على ثروات الجميع تحت حماية القانون.
ثانياً: ”أنظمة حصرية” وهى الأنظمة أو الدول التي تتيح الفرص لفئة حصرية فقط وغالباً ما تكون الفئة الحاكمة والمنتفعين منها وهؤلاء غالباً ما يكونون خارج نطاق القانون. وعلى النقيض من نظام التعليم في الأنظمة الحاضنة فإن نظام التعليم في الأنظمة الحصرية يقوم على تمجيد الحكام أو تمجيد من حوله كما هو المثال كوريا الجنوبية، فبدلاً من تشجيع الابداع يتم تشجيع التبعية فقط.
وفي هذه الأنظمة لا يمكن لشخص خارج الدائرة الحصرية أن يضمن الحفاظ على ثرواته أو مكتسباته لأن القانون لا يطبق على من هم داخل الدائرة الحصرية.
كيف يمكن حماية الأنظمة الحاضنة؟
قوة الإقتصاد تنبع من قوة الدولة في تطبيق القانون على الجميع سواسية. ولكن أحياناً تتغلغل أيادي أصحاب المصالح وتسيطر على المسؤولين وأحياناً قد تصنع بعض القوانين لصالحها. وهنا يأتي دور الإعلام. فالإعلام النزيه هو أعين الشعوب وإليك مثالاً حياً على ذلك.في الصورة التالية نرى اخطبوطا واضعاً أطرافه على البيت الأبيض ويحاول أن يضع طرفاً آخر على بقية المؤسسات الأمريكية.
هذا بعد حاولت شركة ستاندرد اويل ابتلاع الشركات الأخرى فالاخطبوط يمثل شركة ستاندرد اويل وقد تم تم محاكمة أصحاب الشركة رغم قوة نفوذهم وسيطرتهم على كثير من رجال الدولة.
الإصلاح الاقتصادي يبدأ من الإصلاحات السياسية وأثر تثبيت الحكم في فشل الدول
الدول الناجحة استغرقت عقوداً للوصول إلى ما هى فيها تم تأسيس البنك البريطاني عام ١٦٩٤.
.في الوقت ذاته كانت الطباعة باللغة العربية ممنوعة تحت الحكم العثماني.ويقول الكاتب أن الإمبراطورية العثمانية كان غير الأميين فيها حوالي ٢ إلى ٣ بالمائة مقارنة بنسبة ٤٠ إلى ٦٠ بالمائة في انجلترالماذا؟ لأنها الدولة العثمانية كانت تخشى من المتعلمين لأنهم سيزعزعون عرشها.
ليست الدولة العثمانية فحسب وإنما لدينا أيضاً مثال من إمبراطورية النمسا التي منعت إنشاء السكك الحديدية لأنها ستسهل تنقل الناس من منطقة إلى أخرى وبالتالي سيسهل إشعال ثورة تسقط الإمبراطورية.في عام كذا قامت الثورة على الملك وعليه فإن نجاح الدول وانشاء أنظمة حاضنة قد يستغرق عقوداً وأحياناً قروناً.
الإستعمار والعبودية صنعا أنظمة حصرية في الدول الفقيرة
هل تعرف شخصاً ربح اليانصيب؟
إن كنت لا تعرف فأنا أعرف شخصاً ربح اليانصيب عام ٢٠٠ ويدعى “روبرت موجابي” وهو رئيس دولة “زمبابوي” نعم لا تتعجب إنه استغلال السلطة لتحقيق مكاسب شخصية.
معروف أن الأنظمة الاستعمارية تعمل من أجل امتصاص واستنزاف ثروات الدول المستعمرة ولذا فأنهم يضعون حجر الأساس للأنظمة الحصرية حيث أنهم يخلقون نخبة وثلة من المنتفعين مثل جامعي الضرائب وهذه الأنظمة تتجذر في الدول المستعمرة حتى بعد رحيل الاستعمار فبعض الدول رحل عنها الاستعمار لكنه خلف وراءه نظاما حصريآ لا يمكن التخلص منه بسهولة وهذا سبب من أسباب فشل بعض الدول.
مشكلة النجاح تحت حكم الأنظمة الحصرية
قد ينجح بعض الناس تحت الأنظمة الحصرية، وهذا أما لا ينكره “دورون اوسيموجلو” مؤلف الكتاب ولكنه يستدرج قائلا: من يتمكن من النجاح في الأنظمة الحصرية تكمن مشكلته في الحفاظ على نجاحه لأن الدول الحصرية لا يسود فيها القانون ولا يطبق على الجميع ، وبالتالي فإن من ينجح فيها سيصعب عليه حماية مصالحه من أطماع النظام الحصري والمنتفعين منه.
تمحيص ونسف حجة الجغرافيا وفقر الموارد
قد يجادل البعض أن أسباب فقر بعض الدول يعود إلى مشاكل مثل التصحر وندرة الموارد الطبيعية، ولكن في الوقت وذاته أنظر إلى دول مثل ماليزيا وسنغافورة وبوتسوانا. ليست الدول فقط ولكن أنظر إلى مدينة حدودية بين الولايات المتحدة والمكسيك “نوجاليس”. تنقسم المدينة إلى نصفين نصف أمريكي “نوجاليس أريزونا” و “نوجاليس سينورا”.دخل ساكني “نوجاليس أريزونا” يتجاوز دخل ساكني “نوجاليس سينورا” بثلاثة أضعاف. ومعظم المراهقين في الأخيرة لا يتلقون تعليما ثانوياً على غرار قرنائهم في “نوجاليس أريزونا”.ولذا فإن حجة فقر و عوز الدول بسبب الموقع الجغرافي حجة لا أصل لها.
تمحيص ونسف حجة ثقافة الأمم
بعض الشعوب كسالى وهذا سبب فقرهم . كثيرا ما نسمع هذه العبارة ولكنها أيضاً حجة واهية. وأكبر مثال على هذا هما الكوريتين فكلاهما شعب واحد وثقافة واحدة ولكن النظام السياسي مختلف فيهما.
ما هى الحلول إذا؟ هل يمكن تحويل الأنظمة الحصرية إلى أنظمة حاضنة ومن ثم تحقيق النجاح؟
البرازيل هى مثالنا. ما زالت تعاني البرازيل من مشاكل كثيرة وتحتاج للإصلاح ولكن في حوالي ١٧ عام فقط بعد الإطاحة بالنظام السابق عام ١٩٨٥ أصبحت من أقوى عشرة اقتصادات في العالم بداية من عام ٢٠٠٢ وذلك بفضل الاتحادات النقابية والحركات المدنية.
الختام
“دارون اوسيموجلو” و “جيمس روبنسون” أبدعا في كتاب لماذا تفشل الأمم وسردا أمثلة كثيرة على نظرياتهم ولماذا تفشل بعض الدول وتنجح دول أخرى وقد فندا بعض النظريات الشائعة لفشل الدول أو تقدمها. قد حقق الكتاب مبيعات هائلة وترجم إلى عدة لفات. وقد حاولت أن أسرد لكم أهم الأفكار والأمثلة الواردة في الكتاب. وأتمنى أني قد وفقت فيه.
