حكاية وقصة موقع myspace.com وكيف صعد الموقع ثم سقط

مقدمة

يعتبر موقع ماي سبيس هو المُلهم لما يعرف حالياً باسم “السوشيال ميديا” او مواقع التواصل الاجتماعي. قد يخفى على الكثيرين أن عدد مستخدمي موقع ماي سبيس تجاوز عدد مستخدمي جوجل في مرحلةِ ما. ولم يخطر ببال أحد أن ينهار الموقع بسبب الإهمال والمشاكل الإدارية التي تعرضت لها الشركة في بدايتها.

هذا المقال يعتبر درساً من دروس فن الإدارة والتعلم من أخطاء الشركات والمؤسسات التي تقع في الأخطاء الإدارية وتسقط في فخ الإنهيار.

النشأة

في الواقع، استمد مؤسسو ماي سبيس التصميم والفكرة من موقع ماليزي يدعى فريندستير نشأ في حوالي عام 2002 وكان هو الفكرة الجديدة وفي ذلك الوقت كان الإنترنت محدود في استخداماته ولم يكن هناك كثير من المستخدمين وبالطبع لم تكن هناك أجهزة محمولة تستطيع الإتصال بالإنترنت.

كريستين وولف وطوم أندرسون كانا موظفين في شركة تسويقية تدعى “إي يو يونيفرس” وهما المؤسسان الحقيقيان لـ “ماي سبيس” إستمدا الفكرة من موقع فريندستير وبفضل خبراتهما التسويقية انطلقا في تأسيس موقع ماي سبيس.

وقد استخدما برنامجاً يدعى كولد فيوجين في تطوير الموقع وبالرغم من أن هذا لم يكن خطأً في البداية ولكن استخدام تلك الأداة كان أحد الأسباب الرئيسية في انهيار الموقع فيما بعد.

وبعد عمل شاق انطلق الموقع وكان جاهزاً للعامة في غضون عشرة أيام فقط.

إنطلق ماي سبيس في عام 2003 وانتشر كالنار في الهشيم وبخاصة في الولايات المتحدة. وهذه صورة توضح تغير شعار الموقع على مر السنوات وحتى الآن.

تطور شعار ماي سبيس على مر الزمن من 2003 منذ نشأة الموقع وحتى وقتنا الحالي
تطور شعار myspacee من 2003 حتى الآن

كما هو الحال البشري في التعامل مع التكنولوجيا الحديثة او الاختراعات الجديدة فإن بعض الناس او معظم الناس كان يساورهم القلق حيال استخدام الموقع وكان البعض يتخوف من استخدامه ويسخرون ممن يستخدمونه ولكن سرعان ما استخدموه هم أنفسهم ودعوا أصدقائهم إلى استخدامه.

الصعود إلى القمة

عدد مستخدمي موقع myspace من عام 2003 الى عام 2013
عددي مستخدمي موقع myspace من عام 2003 الى 2013 statista

يوضح البيان السابقي عدد مستخدمي ماي سبيس بداية من عام 2003 عند انطلاقه وصولاً إلى عام 2013 والأرقام المكتوبة هي بالملايين. ونلاحظ أنه في غضون عام واحد فقط وصل عدد المستخدمين إلى خمسة ملايين ومع الأخذ في الاعتبار بمعايير عام 2004 كان هذا رقماً مهولاً باهراً وفي عام 2005 تضاعف هذا الرقم إلى اربعة أضعاف وأكثر حتى بلغ 22 مليون مستخدم.

وتجدر الإشارة إلى أن عدد الزوار هذا شهريٌ وليس سنوي وان عدد الزوار هذا للزوار الجدد فقط وليس المستخدمين الحاليين.

مما دفع شركة نيوز كورب الأمريكية إلى شراء الموقع بحوالي 580 مليون دولار أمريكي. وفي عام 2008 بلغ عدد مستخدمي الموقع حوالي 122 مليون مستخدم مع العلم أن هذا العام كان يمثل بداية السقوط والذي سنوضح أسبابه فيما يلي.

وأخذ الموقع في التوسع حتى بلغ عدد الموظفين ما يقارب 1200 موظف في عام 2009.

نسبة الإستخدام في العالم العربي

يصعب التحديد كم بلغت نسبة الإستخدام في العالم العربي لأن الإنترنت لم يكن يستخدم بشكل كبير في العالم العربي آنذاك وكان الناس لديهم صورة نمطية أن الإنترنت شبكة سيئة في كل شئ لكن سنحاول قدر الإمكان توضيح بعض المعلومات التي قد تساعدنا في حصر نسبة الإستخدام في العالم العربي. طبقاً لموقع جوجل فإن عدد المستخدمين في الدول العربية وصل إلى خمسة ملايين مستخدم من ثلاث دول عربية وهى مصر والسعودية والمغرب وذلك في الفترة ما بين عام 2005 و 2007 وتلك نسبة كبيرة نظراً لأن الإنترنت كان حديثاً نوعاً ما في تلك الفترة في العالم العربي. ولم تكن وسائل التواصل الاجتماعي رائجة إلا بعد انتشار الهاتف المحمول.

أرباح الموقع

في الرسم التالي نرى أن أرباح ماي سبيس تجاوزت 600 مليون دولار أمريكي في عام 2008. وفي هذا الوقت كان هذا الربح جديد تماماً على ساحة الإنترنت حيث أن الشركة لم تتكبد عناء البحث عن الأخبار ونشرها بل إن المستخدمين أنفسهم هم مَن ينشرون المحتوى. وكان هذا هو الربح المثالي الذي حلمت به معظم الشركات والمواقع.

رسم بياني لأرباح شركة ماي سبيس اليومية من عام 2006 الى عام 2011
رسم بياني لأرباح موقع myspace من عام 2006 الى عام 2011 theguardian

إستمرت الشركة في الصعود حتى نهاية عام 2008 وكانت قيمتها السوقية آنذاك تقدر بحوالي 12 مليار دولار امريكي بعد حديث عن دمجها مع شركة ياهوو.

وصل الأمر لدرجة أنه في عام 2006 تجاوز مستخدمي ماي سبيس عدد مستخدمي جوجل في الولايات المتحدة الامريكية. الأمر الذي دفع جوجل إلى توقيع اتفاقية بما يعادل 900 مليون دولار أمريكي لتصبح الوكيل الإعلامي لـ ماي سبيس في كل إعلاناتهم. تمتع ماي سبيس في ذلك الوقت بحوالي 80 بالمائة من نسبة مستخدمي مواقع السوشال ميديا بما في ذلك يوتيوب وفيس بوك وغيرهم.

عدد مشاهدات صفحات مواقع التواصل الاجتماعي من 2006 الى 2007 اعلاهم موقع ماي سبيس حوالي 42 مليون مشاهدة واقلهم موقع viacom
عدد مشاهدة صفحات مواقع التواصل الاجتماعي 2006-2007

السقوط

نسبة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك و ماي سبيس من عام 2007 الى عام 2008
نسبة مستخدمي التواصل الاجتماعي Techcrunch

يوضح الرسم البياني السابق نسبة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي من سبتمبر 2007 الى نوفمبر 2008 ويظهر موقع ماي سبيس باللون الأرجواني ويظهر فيس بوك باللون الأزرق ويتجاوز عدد مستخدمي ماي سبيس في عام 2008 والذي كان بداية السقوط علناً. سنحاول بقدر الإمكان سرد الأسباب التي أدت إلى انهيار الشركة وتسريح أكثر من 1200 موظف.

أسباب الهبوط

رفض شراء فيس بوك

في عام 2005 رفضت شركة ماي سبيس شراء موقع فيس بوك لأن “مارك زوكربيرغ” مؤسس الموقع طلب 75 مليون دولار مما دفع “ماي سبيس” إلى رفض العرض لأن السعر مبالغ فيه حيث أن فيس بوك كان عمره سنة واحدة فقط آنذاك. وكلنا نعرف ما هو فيس بوك الآن وكان هذا أول أسباب سقوط شركة ماي سبيس وهذا يعد عيباً أدارياً بامتياز لقصور نظر الإدارة في إمكانيات “فيس بوك” آنذاك ففي عام 2008 رفضت فيس بوك عرضاً بمليار و200 مليون من “ياهو”. فلو ان الإدارة تمتعت ببعد البصيرة لاشترت “فيس بوك” في مهده آنذاك.

الرغبة في الربح السريع

من الأخطاء الإدارية الفادحة التي ارتكبتها الشركة هي رغبتهم في التربح الفوري السريع عن طريق إظهار الإعلانات للمستخدمين وفرض الإعلانات على المستخدمين مما دفع كثيراً منهم إلى التوقف عن استخدام الموقع في الوقت الذي كان فيه اكبر منافسيهم وهو فيس بوك مجاني تماماً وبلا إعلانات على الإطلاق مما جذب كثيراً من الناس إلى فيس بوك ودفعهم إلى التخلي عن استخدام ماي سبيس.

مشاكل تتعلق بالإستخدام

مشاكل فيسبوك في مواجهة موقع ماي سبيس من عام 2004 الى عام 2011
مشاكل استخدام myspace.com في مواجهة فيس بوك wordpress

توضح اللائحة البيانية بالأعلى بعض المشاكل التي جعلت “فيس بوك” يخطف الأضواء من “ماي سبيس”. يمكن القول بأن “ماي سبيس” كان اشهر وأكبر وكان في وجه الهجمات التي تطالب بعدم الإطلاع على خصوصيات الناس واحترام معلوماتهم  ففي عام 2007 قال بعض الآباء أن بناتهم قد تعرضوا للاعتداء اللفظي من مستخدمين على موقع ماي سبيس. وهذا كان حقيقة بالفعل وكان يحدث أيضاً  في فيس بوك إلا أن فيس بوك كانت تتخذ الإجراءات اللازمة برمجياً لحجب المستغلين والمزعجين لغيرهم على منصتهم.

مشاكل إدارية مع الشركة الأم نيوز كورب:

من المميزات التي تتمتع بها الشركات الناشئة هي قدرتها على اتخاذات القرارات السريعة وتنفيذها دون الرجوع إلى إدارة عليا وأعلى منها وهكذا. وهذا تماماً ما حدث في شركة ماي سبيس فكما ذكرنا تم بيع الشركة عام 2005 لشركة “نيوز كورب” العملاق الأمريكي الذي يمتلك كثيراً من الشركات. كان على مؤسسي موقع ماي سبيس أن يستشيروا القيادات العليا ويأخذوا موافقتهم قبل إجراء أي تعديلات على الموقع في وقت كان الموقع فيه بحاجة لكثير من التعديلات الجذرية تسهل على المستخدمين وتجذبهم بعيداً عن المنافسة.

المشاكل التقنية التي أزعجت المستخدمين

كما ذكرنا في البداية أنه تم إنشاء الموقع في حوالي عشرة أيام باستخدام تطبيق يسمى “كولد فيوجن” وكان هذا تطبيقاً صغيراً لإنشاء المواقع الصغيرة وظهرت عيوبه عندما انفجر عدد مستخدمي “ماي سبيس” حيث أن التطبيق لم يكن قادراً على استيعاب هذا القدر من المستخدمين وسرعان ما أصبح “ماي سبيس” مليئاً بالعيوب ويتعرض للتوقف التام أحياناً وأحياناً أخرى قد يتسبب في إيقاف الكمبيوتر عن العمل لما فيه من أخطاء تقنية. وبالطبع فشلت الإدارة في مواكبة هذا التغيير وفشلت في نقل لغة البرمجة التي بني بها التطبيق إلى لغة أخرى ولم تسمح للمطورين الخارجيين المشاركة في تطوير الموقع كما فعلت فيس بوك. وكانت النتيجة أن عزوف الناس عن استخدام “ماي سبيس” تماماً.

فيس بوك تعلم من أخطاء ماي سبيس وتفوق عليهم

ومن أهم أسباب سقوط ماي سبيس هو أن فيس بوك تعلمت من أخطائهم وتجنبتها بل أنهم تفوقوا على ماي سبيس في عام 2005 من كافة النواحي الإدارية والتقنية حتى واجهة المستخدم كانت افضل.

الخاتمة: كيف كان يمكن لشركة “my space” أن تصمد وتواصل

فيما يخص التربح

جميع الشركات تهدف إلى الربح وهذا أمر لا مشكلة فيه. لكن المشكلة تنشأ عندما تضع الشركة الربح نصب أعينها ويكون هو هدفها الأول والأخير دون تحسين الخدمات. وهذا تماماً ما حدث مع إدارة ماي سبيس فإنهم قد صبوا تركيزهم على التربُح دون محاولة إصلاح الموقع نفسه ودون تحسين الخدمات للمستخدمين، وهذا هو الأمر الذي استغلته فيس بوك فإنهم حسنوا الخدمات قبل التربُح. فمن رأيي أنه كان لابد للإدارة أن تهتم أولا بتحسين الخدمات وتقديم خدمات أفضل من المنافسة ثم بعد ذلك ستأتي الأرباح بحكم أن لهم قاعدة مستخدمين كبيرة.

فيما يخص شركة “News Corp”

ما كان على إدارة ماي سبيس أن تبيع الشركة وهي في طور بدايتها. ذكرنا سابقاً أن شركة نيوز كورب استحوذت على ماي سبيس مقابل 580 مليون دولار أمريكي وكان ذلك من أفدح الأخطاء التي ارتكبتها إدارة ماي سبيس. فإن الموقع وإن كان قد حصد قاعدة مستخدمين ضخمة إلا أنه كان ما زال في مرحلة التطوير وكانوا يقدمون أفكاراً جديدة باستمرار وتلك الأفكار كانت تنفذ بسرعة بحكم إن إدارة ماي سبيس ليس عليها أن ترجع إلى إدارات أخرى لتنفيذ تلك الأفكار الجديدة، ولكنه بعد بيع ماي سبيس فقدت الإدارة تلك الميزة، وقبل تطبيق أو تنفيذ تعديلات أو أفكار جديدة كان عليهم الرجوع إلى إدارة شركة نيوز كورب مما أبطأهم وسمح للمنافسة أن تتغلب عليهم.

فيما يخص التصدي لمشاكل الاستخدام

بما أن مواقع التواصل الاجتماعي كانت جديدة في ذلك الوقت على الإنترنت، كان من المنطقي أن تنشأ مشاكل كثيرة تتعلق بالاستخدام حتى يتم تقنينها والحد من تلك المشاكل أولاً بأول. إن خطأ إدارة ماي سبيس يكمن في أنهم وضعوا أنفسهم مهب الريح. لم يكن ماي سبيس هو موقع التواصل الاجتماعي الوحيد آنذاك ومع ذلك كان الأشهر فكان في مهب الريح فكرهه المستخدمون بسبب مشاكل الاستخدام وبسبب مسائل تتعلق بخصوصيتهم. كان على الإدارة أن تشرك المواقع الأخرى في الجدال بدلاً من التصدي لكل شيء بأنفسهم، فلو أن الإدارة التفت على الإدعاءات وأوضحت أن الشركات الأخرى تفعل نفس الشئ فيما يتعلق بخصوصية المستخدمين لما كانت هي الوحيدة محط الأنظار ولأصبحت المواقع المنافسة مثل فيس بوك في مهب الريح ايضاً ولكانت اكتسبت ماي سبيس وقتاً أطول في إصلاح مشاكلها عن طريقة مراوغات ذكية من قبل الإدارة.

هل تريد أن تسمع تقرأ حكاية شركة أخرى؟ أترك تعليقا وسأمتب لكم مقالا عنها إن شاء الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *