عذرني لن أتمكن من المجئ اليوم لأن ابن جارنا الفلاني والبالغ من العمر ٢٧ عاماً تناول قرص سم قاتل فهرول به أهله إلى المستشفى ولكن للأسف وافته المنية في الطريق إلى المستشفى”
هذا ما قاله عمي لي في اتصال هاتفي يعتذر عن غيابه عن الغداء الذي دعوته له مسبقاً.
دروس ونصائح في الوقاية من الانتحار
ليست المرة الأولى التي أسمع فيها عن قصة انتحار شاب أو شابة في ريعان الشباب. وعلى يقين أنكم سمعتم قصصاً مماثلة من قبل. ومن السهل جداً أن تدخل في دوامة “كيف اقتل نفسي او انتحر انهي حياتي” فالموت يبدو اسهل طريق أحياناً ولكن…
درس مستفاد من قصة السيدة مريم أم عيسى المسيح عليهما السلام
هل تظن أنني وغيري لم يأت علينا لحظات تمنينا فيها أننا لم تولد من الأساس وتمنينا الموت فعلاً لعظم مصائبنا في مرحلة ما. وهذا ليس عيبا فينا ولا فيك. فحتى أطهر نساء العالمين السيدة مريم عليها السلام يقول الله عز وجل على لسانها “يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا” في سورة مريم الآية رقم ٨. يخطئ من يظن أن هذا ضعف إيمان فيها.
ألا تظن أنها في مرحلة حملها كانت أولى بالإنتحار؟ لنتحدث بصراحة هنا. مثيلتها أعظم من مصيبتي ومصيبتك ومصائبنا أجمعين. لأن مريم عليها السلام نشئت في بيت طهارة وعفة وهى على يقين من عفتها ورفعة أخلاقها.
مهما عظمت مشاكلك قدرة الله أعظم
فكر معي قليلاً! الله عز وجل خلق الأكوان وأحكمها . ألا تظن أنه قادر على حل مشكلتك الصغيرة عزيزتي القارئة؟ نعم أعرف أن مصيبتك كبيرة ولكن هل هى أعظم من مصيبة السيدة مريم عليها السلام ؟ حتى وإن كنت تظنين أن مصيبتك أعظم ألا يستطيع رئيس الدولة التي تعيشين فيها أن يحل مشكلتك بقرار أو بأمر صغير؟ بالطبع نعم ألست محقاً ؟
عليك أن تخجل من نفسك إذا فإذا كان رئيس دولة يستطيع أن يحل مشكلة مع أن رئيس الدولة بشر مثك ألا يستطيع ربك رب العزة أن يحل مشكلتك في غمضة عبن؟
أعرف أن الحياة صعبة أحياناً…ومع ذلك
لا أنكر أنا ولا غيري أن الحياة مشقة وتعب وصراع لا ينتهي وهذه طبيعة الأمور. واحيانا قد تقودك مشاكلك إلى التفكير قائلا “اريد الانتحار” لأنه الحل الوحيد أمامك ولكن أن فكرت قليلاً ستكتشف أن مصيبتك مهما كانت كبيرة فلابد أن لها حلا. فلا تتوهم بكل ما تراه على وسائل التواصل الإجتماعي لأنها كلها مزيفة وقد أثبتت الدراسات العلمية أن كذا وكذا
بالمناسبة! ستأتيك مصائب أعظم مما أنت فيه، فكن صلباً
نعم ستمر عليكم أيام أصعب مما أنت فيها فهذه هى الحياة. إياك أن تتخيل أن حياتي أنا أو غيري خالية من المشاكل. وكل فترة تمر علينا مصيبة نظن أنها الأصعب وبعد فترة تزول هذه الشدة وتأتي كارثة أصعب منها ولكن من حكمة الله عز وجل أنه يحضرنا لتحمل المشاكل تدريجياً. فمشاكل الحياة أشبه بالدرج أو السلم ونحن أشبه بالأطفال الذين يخططون على درجات السلم فكل مرة تتجرأ على أخذ خطوة أكثر وهكذا.
الإنتحار ليس حلاً
هل جربت ذلك الإحساس الذي يشعرك بالنشوة والرضا عندما تحل مشكلة صعبة؟ لا تحرم نفسك من هذا الإحساس.
لنفترض أن شخصاً أقدم على الإنتحار ومات. هل حلت مشاكله ومشاكل من حوله بعدما قتل نفسه؟ بالتأكيد ستزيد المشاكل تعقيداً لأنك في هذه الحالة لم تتخلص من المشكلة وإنما تخلصت من نفسك. وماذا يكسب من ينتحر ؟ الراحة ربما؟ إن أجمل شعور في العالم هو شعورك عندما تتغلب على التحديات التي تواجهك وليس أن تتخلص من نفسك أو أن تنهي حياتك.
إن كنت تتساءل عن حكم الانتحار في الإسلام فهو حرام باتفاق العلماء المتقدمين والمتاخرين ولا يكون الانتحار مشروعاً في الاسلام او مباح تحت أي ظرف من الظروف ولا يكون الإنتحار حلالاً باتفاق علماء المسلمين ولا يكون مباحاً في الإسلام إطلاقاً، ولو كان الشخص مريضاً نفسياً فلا يباح له الإنتحار أيضاً.
يقول الله تبارك وتعالى في خواتيم سورة البقرة “لا يكلف الله نفساً إلا وسعها” ومن معاني الآية في تفسير العلماء أن الله عز وجل يبتلي كل إنسان على قدر قوة تحمله. نعم، هذا يعني أنك أنك شخص قوي وإلا ما كان الله ليبتليك، وعندما يزيد البلاء عن قدرتك سيأتي أمر الله تعالى بزوال هذا البلاء لأنه فاق قدرتك.
إذا اشتدت المصائب فاعلم أن الفرج قريب
أكثر الأوقات ظلمة في الليل هى الظلمة التي تأتي قبل الفجر مباشرةً فعندها يكون الظلام في أشد قوته. وبعدها ماذا يحدث؟ تبدأ مرحلة الغسق وهى بداية تشقق ضوء الشمس ويكون الجو خافتا مظلما إلى حد ما، ثم تليها مرحلة الشروق ويكون الجو مضيئا إلى حد كبير ثم تأتي مرحلة الظهيرة وفيها تكون الشمس في أشد سطوعها.
هكذا هو حال الدنيا يا عزيزي القارئ تزول المشاكل ثم تأتي مشاكل غيرها نظن أنها لن تنتهي ولكنها في الواقع ستزول وتنتهي لا محالة.
لست وحدك في المعاناة
إن كنت لا ترى مشاكل الناس ومعاناتهم فهذا لا يعني أنهم يعيشون بلا مشاكل في الحياة! الدنيا دار التعب والمشقة والكد وحال الدنيا سواء للجميع فلا الغني في راحة ولا الفقير في راحة وكل واحد منا يعاني من مشاكله الخاصة. مخطئ من يظن أن الحياة بلا مشاكل فمن يبحث عن حياة بلا مشاكل سيفني عمره بحثاً عن سراب.
ركز على الإيجابيات!
يقول تعالى في سورة النساء مخاطباً أناساً ظنوا نفسهم مستضعفين ولا حيلة لديهم “ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها” ولا اقصد من كلامي أن تفكر في الهجرة فحسب وإنما أن تهجر ما يضرك وأن ابتعد عن كل ما هو سلبي وتجنب كل ما يدفعك للتفكير في الانتحار، سواءا كانوا أصدقاء أو أحبة أو حتى الأهل.
ثم بعد الهجر فكر في كل ما هو إيجابي في حياتك، وفكر في أبسط النعم فأنت تستطيع القراءة ولديك من النعم ما لا يعد ولا يحصى ولكن كثرة المشاكل تعمينا عن رؤية الحقيقة أحياناً وقد تعمينا عن رؤية ما هو جميل في حياتنا.
كلنا معك يا صديقي/صديقتي
إياك أن تظنّ أن الجميع تخلي عنك، أو أن لا أحد يسمعك. أولاً لابد أن تكون على يقين أن ربك سبحانه وتعالى لم يكن ليتخلى عنك أبداً. واعلم أنه لا عيب أن تتحدث عن مشكلتك مع شخص تثق فيه أو مع متخصص أو معالج نفسي. إن طلبت المساعدة فهذا لا يعني أنك مجنون أو عاجز، بل إن هذا يعني أنك قوي وأنك تعرف مشكلتك وتريد من يساعدك في حل هذه المشكلة.
وأخيراً كن على يقين بأننا معك هنا.. تواصل معنا أو اترك تعليقاً وسنجد لك المساعدة المناسبة.. وتذكر لا حرج في طلب المساعدة.