مقال عن الإنتظار ولماذا نكره الإنتظار، ليه الناس مش بتحب تنتظر، ليش الواحد ما يصبر، ليش صعب الإنتظار

جلس محمود لينتظر صاحبه في المقهى لأربعة ساعات متواصلة. وأخيراً وصل صديقه ليجده يستشيط غضباً من طول الإنتظار، مع أن محمود في هذا اليوم لم يكن مرتبطاً بأي عمل وكان سيخرج إلى المقهى على أية حال، وعلى الأرجح أنه كان سيقضي معظم اليوم بين المقهى يتسامر مع الناس. ولكن السؤال هنا لماذا استشاط محمود غضباً عندما كان ينتظر صديقه مع أنه كان سيجلس في المقهى على أية حال؟

الإنتظار وما أدراك ما الإنتظار؟ مَن منا لم يجرب هذا الشعور السئ والصعب في معظم الأحيان.

إن الإنتظار تجربة إنسانية، مشاعر نفاد الصبر والإحباط وعدم الارتياح. يساعد الاستكشاف العلمي في علم النفس والاقتصاد السلوكي في كشف الأسباب متعددة الأوجه وراء نفورنا من الانتظار.

الإنتظار في القرآن الكريم

اطلعت على بعض الآيات التي وردت في القرآن الكريم عند كتابتي لهذا المقال ووجدت أن معظمها إن لم تكن جميعها تشير إلى الإنتظار بمعنى الصبر.

إليك مثلاً “فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَٱنتَظِرۡ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ” في سورة السجدة يخاطب الله تعالى بها النبي صلى الله عليه وسلم بأن يصبر على أذى المشركين وينتظر ليدل على الإنتظار مرارة وشعور صعب ويتضمن الصبر والمصابرة.

وفي آية أخرى يقول تبارك وتعالى في سورة الأحزاب “مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيۡهِۖ فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن يَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبۡدِيلٗا” وهنا يظهر لنا معنى جديد للانتظار وهو الإنتظار لأمر محبب إلى النفس وفي تلك الحالة هو انتظار الشهادة في سبيل الله. ونفهم من الآية في سياقنا أن الإنتظار لما هو جميل ومحبب إلى نفس هو في الواقع شعور جميل لأن الإنسان ينتظر ما في سعادته وراحته. ولكن هذا الإنتظار أيضاً يتطلب صبراً لأن في آخر الآية يقول تبارك وتعالى “وما بدلوا تبديلا” أي أنهم صبروا وانتظروا حتى ينالوا ما يحبون.

إدراكنا للوقت

تسلط الدراسات ، مثل تلك التي أجراها Sackett and Gouvier (1998) في “النشرة النفسية” ، الضوء على أن تصورنا للوقت أثناء الانتظار هو أمر شخصي. لأنه عند الانخراط في أنشطة ممتعة، يبدو أن الوقت يمر بسرعة. ومع ذلك، يبدو إن قضيت نفس الوقت منتظراً فإن الوقت يبدو أطول. وعليه فإن هذا الوهم الشعوري يزيد المرء انزعاجا، مما يجعل الانتظار يبدو أطول مما هو عليه في الواقع.

حقيقة الوقت أثناء الانتظار عامل حاسم. تشير الدراسات ، مثل تلك التي أجراها Zauberman and Lynch (2005) في “مجلة علم النفس التجريبي” ، إلى أن تجربتنا الذاتية للوقت تختلف باختلاف الموقف. تميل فترات الانتظار إلى إطالة الوقت المتصور ، مما يجعل الدقائق تبدو وكأنها ساعات. هذا التشويه في حقيقة الوقت يزيد من انزعاجنا ويساهم في كرهنا للانتظار. 

فقدان السيطرة وعدم اليقين

يشير البحث الذي أجراه Mogilner et al. (2012) في “مجلة أبحاث المستهلك” أن تأثير فقدان التحكم وعدم اليقين يؤثر على حالتنا الشعورية أثناء الانتظار. غالباً ما يثير الانتظار شعور فقدان السيطرة على الموقف، مما يثير مشاعر العجز، والعجز هو شعور نكرهه جميعاً ولا نستسيغه. إن عدم اليقين بشأن موعد انتهاء الانتظار يضخم من شعور التوتر والقلق، مما يزيد من كراهيتنا للانتظار.

كثرة التوقعات بسبب طبيعة الحياة

دراسة مثل تلك التي أجراها Gershman et al. (2019) في “طبيعة السلوك البشري”، تسلط الضوء على أن سهولة الوصول الفوري الذي أصبح ممكناً بفضل التكنولوجيا قد أثر على توقعاتنا للحياة بشكل كبير.

فأنت مثلاً تمسك بهاتفك وفي أقل من دقيقة تتواصل مع صاحبك الموجود في الجانب الآخر من الكوكب دون أن تنتظر ثوان معدودات. نفسياً وعقليا، يؤثر هذا في توقعاتنا لمجريات الحياة من حولنا. وفي خضم هذا وذاك يصبح الانتظار وسيلة تشتيت غير مرحب بها، مما يسبب الانزعاج والإحباط لأنه يعطل وتيرتنا المتوقعة أو أنشطتنا المخطط لها.

التأثير العاطفي: الإجهاد وآليات التأقلم

الدراسات العلمية، بما في ذلك الدراسات التي أجراها Tice et al. (2001) في “مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي” ، تتعمق في الحصيلة العاطفية للانتظار. ويقول في دراسته الانتظار يرفع مستويات التوتر و يثير المشاعر السلبية مثل “هل يظنون أن وقتي لحسابهم؟” “جعلوني أنتظر لأنهم يستخفون بمكانتي”، غير أن الإنسان الذي ينتظر يتبنى آليات التكيف مثل الإلهاء أو إيجاد معان مفيدة في الانتظار للتخفيف من هذه الآثار السلبية.

العوامل البيئية والعدالة المتصورة

تستكشف الدراسات، مثل تلك التي أجراها Leliveld et al. (2009) في “مجلة أبحاث المستهلك” ، كيف تؤثر العوامل البيئية وتصورات العدالة على تجربتنا في الانتظار. ويورد في دراسته أن المعاملة غير العادلة أو نقص المعلومات أثناء فترة الإنتظار تؤثر بالسلب على مشاعر الشخص الذي ينتظر، فهو لا يدري لماذا تأخر عليه من ينتظره وليست لديه معلومات يبني عليها فيتجه غالباً إلى الإحساس بالظلم حيث أنه حضر في موعده ومع ذلك ظلمه الطرف الآخر ولم يأت في الموعد.

الخلاصة:

الإنتظار جانب لا مفر منه من التجربة الإنسانية، غالبا ما يثير مشاعر نفاد الصبر والإحباط وعدم الراحة.

من خلال إدراك تأثير الانتظار على عواطفنا واستخدام آليات تكيف فعالة ، يمكننا تحويل لحظات الانتظار إلى فرص للصبر أو التأمل الذاتي أو حتى الإنتاجية ، مما يخفف في النهاية من الانزعاج المرتبط بالانتظار. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *