تنويه: إذا كنت ممن يخافون القرآءة عن مثل هذه الأمور، لابد أن تحذر لأنني سأقتبس بعض العبارات والصور مباشرةً من كتاب شمس المعارف.
“ضع هذا الكتاب في بيتك وسيأتيك الجن من كل حدب وصوب” عبارة كثيراً ما ترددت عن كتاب شمس المعارف. أول معرفة لي بالكتاب عندما كنت في الثانوية العامة ولي صديقان كنا نذاكر معا. أحد الصديقين والده “معالج بالقرآن” وعندها أخبرنا عن اخطر كتاب في العالم. حملنا نسخة من الكتاب وبدأنا القرآءة؛ ولكن سرعان ما تركتهما لعدم إيماني بتلك الامور ولأني مؤمن أولا وأخيرا أنه لا شئ يؤذي إلا بأمر الله تعالى. ولا أنكر أني لم ارغب في أن أتعرض لهذا العالم الغامض. وها أنا أعود لأكتب عنه لأفند لكم الحقيقة من الخرافة إن شاء الله. وذلك بعد مطالعة بعض صفحات الكتاب ومقالات ودراسات عن الكتاب. وسأقدمُ لكم ما استطعتُ من معلومات عن كتاب “شمس المعارف الكُبرى” والكتاب الأصلي “شمس المعارف ولطائف العوارف”
نشأة كتاب شمس المعارف
اذا بحثت في أي مكان ستجد الكتاب مرتبطاً بإسم “أحمد البني” بضم الباء. ويقال أنه كان ساحراً مشهوراً، والبعض يقول أنه كان صوفيا ولم يكن ساحرا، وقد كان له حلقة كبيرة في القاهرة في أواخر حياته لتعليم الطريقة الصوفية. وينسب اسمه إلى مدينة “بونة” في الجزائر. وقد اختلف المؤرخون في وفاته فمنهم من قال أنه توفي في القرن الثاني عشر ومنهم من قال أنه توفي في القرن الثالث عشر ميلاديا. ويشتهر عنه أنه قضى معظم حياته في منطقة شمال افريقيا. وبالتحديد في مصر.
هل أحمد البني هو المؤلف الحقيقي لشمس المعارف؟
لا يختلف المؤرخون على أن البني قد ألف كتاباً اسمه “شمس المعارف ولطائف العوارف”. ولكن يقول بعض المؤرخون أن ذلك الكتاب لا علاقة له بكتاب شمس المعارف الذي لدينا الآن، وذلك لأن الكتاب الأصلي يتحدث بالأساس عن تعاليم الطريقة الصوفية. ويتناول البوني في كتابه بعض الأجزاء عن قوة الحروف العربية في تسخير القوى الخفية، وكيف يمكن الربط بين الحروف العربية وعوالم القوى الخفية غير المرئية. حتى أن إبن عربي وهو من معاصري أحمد البوني كانت لديه بعض الأفكار عن قوة الحروف العربية.
وفي كتابه شمس المعارف ولطائف العوارف لا يعطينا البوني معلومات محددة عن الطلاسم ولا يستخدم كلمة طلاسم من الأساس إلا أنه يعطينا الطريقة التي تمكننا من استخدام الحروف العربية في كتابة مثل تلك الطلاسم بما أنه يعتقد أن كل حرف عربي له سر إلهي مرتبط ببعض القوى الكونية.
وينبغي التنويه هنا إلى أن أحمد البوني وكثير من تلامذته لم يتخذوا هذا على أنه سحر وقد تجنبوا إستخدام كلمة سحر بالمرة لمعرفتهم بأن السحر كفى وشرك بالله تعالى. وإنما اتخذوه على أنه تأملُ وتعمق في أسرار الكون وارتباطه بحرف الأبجدية العربية واسماء الملائكة وأسماء الله الحُسنى. وقد اعتبروا هذا تسخيراً للقوى الإلهية وليس تسخيرا للجن، حتى في تسخيرهم للجن، يُعطي البوني طريقة تسخير الجن الصالح ويُحذر أن يتعامل العوام مع مثل هذه الأمور. و كتبَ البني في مقدمة كتابه يعطي تحذيراً شديد اللهجة بأنه لا يوصى باستخدام هذا الكتاب إلا لعلماء الصوفية المتكمنين وليس العامة.
ما علاقة كتاب “شمس المعارف” بكتاب أحمد البني “شمس المعارف ولطائف العوارف”؟
يبدو لنا أن كثيراً من العلماء لم يكتبوا عن أمور الروحانيات والجن والسحر ولم يؤلفوا عنه قبل البني. وهكذا بعد وفاة أحمد البني كان يعتبر كتابه هو الكتاب الوحيد الذي يتناول ويخوض في تلك الأمور. ومع مرور الزمان أصبح كتابه مثل المرجع الرئيسي للباحثين عن تلك الأمور، وهنا لا يمكن التفريق بين الباحثين بغرض البحث أو الباحثين بغرض تعلم السحر.
اقوال العلماء المتأخرين مثل ابن تيمية وابن خلدون في أحمد البوني
ذاع صيت كتاب شمس المعارف أكثر عندما تحدث عنه ابن تيمية وقال إن مؤلفه احمد البوني صوفي متعصب. وجاء إبن خلدون وقال نفس الكلام وقالوا أيضاً أن علم الحروف العربية وارتباطها بالاسرار الكونية شكل من أشكال ممارسات السحر لأنه لا أصل لها في الإسلام كما نعلم. ولكن كما ذكرنا أن هذه الانتقادات لم تزد الكتاب إلا شهرة في بعض الأوساط والحلقات. وهنا نأتي الى كتاب “شمس المعارف الكبرى”.
نشأة كتاب شمس المعارف الكبرى
تشير أبحاث المؤرخين إلى أن كتاب “شمس المعارف الكبرى” الذي لدينا حالياً تعود نشأته إلى القرن السابع عشر ميلاديا. وهنا يجب التنويه إلى أن الكتاب الحالي يختلف اختلافا جذريا عن الكتاب الذي ألفه “أحمد البني”. ولا اختلاف هنا بين المؤرخين أن بعض النصوص من كتاب شمس المعارف الكبرى مأخوذة مباشرةً من كتاب احمد البوني. ويقول المؤرخون أن الكتاب يعد “تكملة” لكتاب أحمد البوني وقد كتبه عدة مؤلفون مجهولون في بداية القرن السابع عشر ميلاديا.
وبعد تحقيق كبير من المؤرخين وجدوا أن أجزاءاً كبيرة من شمس المعارف ألفها “عبدالرحمن البسطامي” في القرن الرابع عشر ميلاديا.
ما هى محتويات كتاب “شمس المعارف الكبرى”
يمكن تصنيف الكتاب على أنه موسوعة لأعمال تسخير الجن وممارسات السحر والشعوذة. وهو عبارة عن ربط بين علم الأكوان واللغة العربية والعوالم الخفية. فالكتاب يحتتوى على رموز ورسومات لربط أسرار الأكوان بالعوالم الخفية غير المرئية أو المسموعة.
ويحتوي الكتاب أيضاً على ما يمكن أن نسميه بوصفات معينة تعمل في أوقات ومواقف معينة. فمثلاً يحتوي الكتاب على مواقف مثل إن أردت أن تقضى حوائجك فاستخدم هذا الطلسم واحمله معك. ومثالُ آخر إن أردت أن تحبك النساء فحضر هذا الطلسم واحمله معك وستغرم بك النساء. وهكذا أمثلة كثيرة مثل هذه موجودة في الكتاب.
وعندما تقرأ الكتاب تجد أن الحروف العربية وعددها ثمانية وعشرون ترتبط بمراحل القمر. فلا يخفى عليك أن الشهر العربي يرتبط بالقمر وظهوره من عدمه. وهنا يربط المؤلفون بين تلك المراحل ودورها في تسخير القوى الكونية كما يظهر في الصورة.
اللأرقام أيضاً لها دور كبير في كتاب شمس المعارف, وكيف أن كل رقم مرتبط بحرف من حروف اللغه العربيه. وكيف يمكن استخدامه لتسخير قوى معينة لمساعدتك في إنجاز أمر تريده.
يتحدث الكتاب أيضاً عن علم الأبراج وكيفية انشاء طلاسم وربطها بعلم الابراج واسماء الله الحسنى.
فعلى سبيل المثال أن أردت حماية البيت فعليك أن تستخدم الطلاسم المناسبة بمعنى انك تكتب ورقة فيها حرف معين في اللغة العربية يرتبط بالحفظ والحماية ويرتبط أيضا بإسم ملك من الملائكة ثم تضع معها معدن يحتوي على نفس الحرف وتكتب عليه إسم الله الذي يحتوي على ذلك الحرف ثم تعلقها على الباب وهكذا تنشئ الطلاسم المناسبة.
نصوص مباشرة من كتاب شمس المعارف
اذا لدغك عقرب مثلاً “أكتب هذه النصوص على قطعة من النحاس ثم سخنه في النار واتركه يبرد ومن ثم ضعه في كوب من الماء واشرب ذلك الماء. ولابد أن تفعل هذا عندما يكون القمر في مرحلة تشبه العقرب.
ليست كل الكتابات في كتاب شمس المعارف شيطانية أو سحرية
فعلى الرغم من المبالغات فيما سيلي إلا أن الكتاب يتحظث عن قوة جملة “بسم الله الرحمن الرحيم” وقد ورد في الكتاب ما يلي “بسم الله الرحمن الرحيم كتبت على جبهة آدم قبل أن يخلق ب ٤٠٠ عام، وكتبت على عصا موسى بالغة السريانية ولولاها لما شق موسى البحر بعصاه”
ويذكر الكتاب أيضاً “أنك إن قرأت بسم الله الرحمن الرحيم ١٢١ مرة قبل نومك فإنها تحميك من الشياطين”
ويذكر الكتاب أيضاً كيفية استدعاء “الجن الصالح” عن طريق الدمج بين الطرف المذكورة أعلاه. حتى أن أحمد البني مؤلف الكتاب الأصلي ينوه على أنه يجب توخي الحذر عن استدعاء “الجن الطيب” وذلك أن العوام إذا فعلوا ذلك فقد يستدعوا جنيا غير صالح أو شرير عن طريق الخطأ.
ويخوض الكتاب أيضاً في الحديث عن “خاتم سليمان” وكيف أن سيدنا سليمان عليه السلام كان يتحكم في الجن من وجهة نظر المؤلفين.
قصص حقيقية لأناس تعرضوا للأذى بسبب كتاب شمس المعارف
قصة حكاها لي صديق مقرب ولولا أنه ثقة لما أوردت القصة سأروي يقول” صديق لي زاملني في المرحلة الثانوية، حيث كان صديقي هذا مُحبًّا للعلم والقراءة والاطلاع، بل وصل به الأمر إلى أن صعد المنبر وخطب بالناس في يوم الجمعة، حتى حدث مالم يُحمد عُقباه، ففي مرة من المرات، قرّر صديقي القراءة في كتاب شمس المعارف، وانكب عليه أيامًا وأيامًا، رغبة في إنهائه، ولكن هذا الكتاب قد أنهى عليه، إذ قرأ في الطلاسم وما به من أمور لا يجب قراءتها إلا من المتخصّصين.وبعد ما حدث ما حدث، حاول أهل صديقي مُالجته، فذهبوا به إلى مُعالج بالقرآن، ولم يُشفى، فذهبوا به إلى غيره وغيره، وكانت النتيجة واحدة. ثم قرّروا الذهاب به إلى أحد المستشفيات النفسية، فمكث في المستشفى قرابة السنة والنصف، ثم خرج، وتحسّن حاله، ولكنه بعد فترة وجيزة عاد إلى حالته الأولى. وها نحن ذا، مرت علينا خمس سنوات كاملة، ولا زال صديقي يُعاني إلا الآن من هول ما قرأه في هذا الكتاب.والشاهد في هذه القصة، أن هذا الكتاب وإن قال البعض بخرافة ما فيه، إلا أنه لا يجب أن يقرأ فيه إلا المتخصّصين.
الخُلاصة:
لا أحد منَا يُنكر أن السحر نوعُ من أنواع الشرك بالله عز وجل. وكل من يقبل على السحر أو يؤمن بالتعاويذ يرتكب نوعاً من أنواع الشرك بالله عز وجل. ولكن لا ننكر أن السحر موجود والجن موجود والايمان بوجود الجن جزء من الإيمان بالله عز وجل لأنهم من مخلوقات الله تعالى.
ولكن الله عز وجل قد حسم هذا الجدل في جزء من آية في سورة البقرة “وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله” وعليك أن تؤمن أنه لو اجتمعت عليك سحرة الدنيا والجن كلهم والكون كله فلن يضرك شئ إلا بإذن الله.
المصادر
Van Bladel, Kevin (2009). “The Arabic HermestFrom Pagan Sage to Prophet of Science”.Oxford University Press.
Varisco, Daniel Martin (2017). “Illuminatingthe Lunar Mansions (manazil al-qamar) in Samsal-Ma’arif”, Arabica 64 (2017), 487-530. QatarUniversity.
“The Openings Revealed in Makka”, al-Futuhatal-Makkiyya by Ibn ‘Arabi. Translated by EricShu’ayb Winkel, Vol, 1, Pir Press.
Shams al-Ma’arif al-Kubra”, Arabic PrintedEdition by Dar al-Mizan.