كيف اجعل الناس يحبوني؟ كيف تكون محبوباً؟ الجواب.. إسألهم أكثر

بعد يومِ عملٍ شاق جلستَ مع زملائك أو أصدقائك فسألك أحدهم “كيف أكون محبوباً بين الناس؟”؟..

ما الإجابات التي تخطُر في بالك عندما تُسألُ هذا السؤال؟ بالطبع ستُخبره أن عليه أن يكون صادقاً ومهذباً ومحسناً إلى الناس … إلخ. والآن إسمح لي أن أسألك أنت عزيزي القارئ… عندما طرح صديقُك هذا السؤال عليك أو لنفترض أنه لم يكن صديقك بالأساس، هل أشعرك بقامتك وقيمتك وأصبحتَ تُكنُّ له احتراماً أكثر بما أنه يقدرُك ويثق في علمك ويسألُك؟ .. أليس هذا هو المغزى من سؤاله الأول. إذاً أنت أحببته لأنه طرح عليك سؤالاً. أليس كذلك؟

سر من أسرار حب الناس

في دراسة نشرتها جامعةُ هارفرد الأمريكية في شكل مقال بعنوان “القوةُ الخفيةُ لطرح الأسئلة” على موقعها “هارفرد لمراجعات الأعمال” قال فيها الباحثون أن من أسرار كيفية إعجاب الناس بك وحبهم لك هو أن تطرح مزيداً من الأسئلة، مما قد يكون مفاجئاً للبعض.

فوائد طرح مزيد من الاسئلة

شخصية كرتونية لمحقق خاص يمسك بعدسة ويحقق في قضية ما.
شخصية كرتونية لمحقق خاص pixabay.com

يقول الباحثون أن طرحك لمزيد من الأسئلة يرفع من مستويات الذكاء العاطفي لدى الفرد. لأنه بدوره يُمكنك من تطوير قدرتك على إلقاء الأسئلة المناسبة في المكان والوقت المناسبين وهما من أساسيات الذكاء العاطفي.

طرحُ الأسئلة يجعل من أمامك يعجب بك لأنك تخرج عن المألوف. فمعلومُ أن معظم الناس يتحرجون من إلقاء الأسئلة لأنهم يتخوفون من أن يظن الناس أنهم أغبياء أو أنهم لا يعلمون شيئاً. فعندما تطرحُ الأسئلة ينظر إليك من أمامك على أنك شخصُ واثق بنفسه وبعلمه بما أنك خرجت عن المألوف الذي تعارف عليه الناس، وسيعجبُ بك أكثر لأنك لا تخشى من طرح الأسئلة مما يعكس ثقة كافية بنفسك وقدراتك.

ماذا نفعلُ في مقابلات العمل؟ نتكلمُ عن أنفسنا وإنجازاتنا. أليس كذلك؟ ماذا إن خطر في بالنا سؤال؟ نتحرج من أن نسأله كي لا نبدو أغبياء أمام الموظف الذي يجري مقابلة العمل معنا. ألستُ محقاً؟ دعني أفاجئك أن هذا أيضاً خطأُ كنت أرتكبه مثلك تماماً. يقول الباحثون في هارفرد أن طرحك للأسئلة في المقابلات الشخصية يزيدُ من ثقة الموظِّف فيك لأنه يعلم أنك شخصُ تريد التعلم واكتساب العلم والمعرفة، ولكن احذر هنا وتجنب المبالغة لأنها قد تأتي بنتائج عكسية.

شخصيتان كرتونيتان في مقابلة عمل يجلس كل منهما على كرسي ويواجهان بعضما.
شخصان في مقابة عمل pixabay.com

مَن لا يسأل لا يعلم!

هل ترغبُ في الجلوس مع صديق أو شخص دائماً ما يدعي أنه يعرف كل شئ؟ …من الآفات التي تأكلُ مجتمعاتنا العربية هى آفةُ “أنا أعرف كل شئ”، فعندما يصلُ الإنسانُ إلى مرحلةٍ يظنُ فيها أنه امتلك مقاليد العِلم فإن ذلك سيجعله غنياً عن طرح الأسئلة وبالطبع سيتجمدُ علمُه إن كان ذو علم بالأساس.

أما سألتَ نفسك من قبل، ما هو أحدُ أسباب حبُ موسى للخضر -والعكس – عليهما السلام؟ الإجابةُ ببساطة هو أن موسى أشعر الخضر بعلمه وقامته العلمية فأحبّه الخضر وصبر عليه لأنه شعر أنه يريد التعلم. ولولا أن موسى سأل الخضر لما كان ليلعم أسباب ما فعله الخضر أبداً، بمعنى لو أن موسى عليه السلام تكبر على السؤال وظن أنه نبيُ مرسلُ ولا أحد أعلم منه لظل عليه السلام “جاهلاً” بما فعل الخضرُ. ولذا لابدُ أن تضع في الحُسبان دائماً أنه مهما علمت فقد غابت عنك أمورُ تجهلها.

لا تسأل أسئلةً بغرض إحراج من أمامك!

شخصية كرتونية بلا ملامح وجهية تضع يدها على فمها بسبب الإحراج
شخصية كرتونية pixabay.com

في كتابه (كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس) الذي نُشر لأول مرة عام 1936 يقولُ “ديل كارنيجي” أن من أسرار حب الناس أن تسألهم أسئلة يستمتعون بالرد عليها….نعم، طرح الأسئلة يجعل الناس يحبونك، ولكن انتبه.. لا تطرح سؤالاً وأنت تعرف أن مَن تُلقي عليه سؤالك سيصعبُ عليه الإجابة. بمعنى ألا تسأل سؤالاً خارج نطاق تخصص الشخص الذي أمامك أو لا تسأله سؤالاً سينزعج من الإجابة عليه، فإن إلقاء الأسئلة المحرجة يُبغَِض الناس في الجلوس معك.

ماذا تفعل إذاً؟

إطرح أسئلةً سيستمتع الطرفُ الآخر بالإجابة عليها والتفكير فيها. فعلى سبيل المثال إن كان صديقك مثلاً يُحب كرة القدم، فألقِ عليه سؤالاً متعلقاً بكُرة القدم. ففي هذه الحالة سيسعد صديقك بالإجابة على سؤالك وإفادتك، وسيرغبُ في الجلوس معك والتقرب منك أكثر لأنك أشعرتَه بقيمته وأن لعلمله ومعرفته فائدة وأنك تستفيد من خبراتة في مجال كرة القدم.

كيف تسأل أسئلة مفيدة؟

كما ورد في الدراسة فهناك استراتيجيات لابد من إتباعها عند إلقاء الأسئلة.

أولاً لابد أن تعرف تخصص الشخص الجالس أمامك ومدى معرفته وعلمه، فلا تسألْ أسئلةً في خارج نطاق تخصص الشخص وتتوقع منه إجابات رائعة، أحياناً قد يحدث ذلك بالطبع ولكن في الغالب لا تتوقع إجابات تفيدك، وهذا بالأساس سينافي هدفنا من السؤال وهو أن تجعل الناس يعجبون بك أو يحبونك. فبالطبع إن سألتهم أسئلةً لا يستطيعون إجابتها فستأتي بنتائج عكسية.

ثانياً: وكما ورد في دراسة هارفرد، ركز على الأسئلة التَّتبُعية: بمعنى أنك مثلاً إن كنتم تتحدثون عن إدارة الأعمال ووجدتَ أن الجالس أمامك على دراية وعلم بمجال إدارة الأعمال وذكر شيئاً عن إدارة الموظفين مثلاً فتسأله أنت “أيمكن أن تخبرني بالمزيد عن إدارة الموظفين؟” هذا ما نقصد بالأسئلة التَتبُعية لأنها ستخرجك من دائرة الأسئلةِ المُحرجة والتي ستُنَِفّرُ الناس منك بدلاً من أن تُرغبَّهم فيك.

ثالثاً: ركز على الأسئلة ذات الإجابات الواسعة المفتوحة. بمعنى ألا تسأل أسئلة إجابتها نعم أو لا، بل يجبُ أن تركز على أسئلة الرأي وأسئلة المعرفة العامة التي لا تخرجُ عن نطاق تخصص الشخص الذي أمامك وإلا ستأتي بنتائج عكسية وتجعله يكره الحديث معك.

رابعاً: إنتبه لطريقتك والنغمة التي تتحدثُ بها. أحياناً قد يكون سؤالك مناسباً والشخص الذي أمامك على دراية ومعرفة وثيقة بما تسألُ عنه، ولكنه أيضاً سيكره الحديث معك، والسبب قد تكون طريقتك في إلقاء السؤال أو نغمتك الصوتية. هل يرغب أحد منا في إجابة سؤال شخص يظهر في نبرة صوته التعالي والتكبُر؟ بالطبع لا، وهكذا الناس لا يرغبون في ذلك ولذا عليك أن تنتبه لذلك.

خامساً: إنتبه للغة الجسد عن إلقائك للسؤال. أترى هذه الصورة أدناه؟ شخصُ يتكئُ ويطرح الأسئلة أليس كذلك؟ إياك أن تفعل هذا! لابد أن تنتبه إلى لغة جسدك عن طرحك للأسئلة وإلا ستُرسل إشاراتِ سلبية للجالس أمامك وسيظُن أنك تُلقي الأسئلة دون اهتمام بالإجابة، مما سيحعله يتخذ موقفاً ضدك بدلاً من أن يُعجب بك.

صورة شاب كرتوني متكئُ pixabay.com

إنتبه عند طرح الأسئلة ولا تُبالغ!

لقد رأيتُ بنفسي وتعايشتُ مع أُناس لديهم ذكاءاً عاطفياً يجعلهم يستخدمون قوة طرح الأسئلة في التأثير عليك وهذا أمر مشوقُ للغاية حتى أنني وغيري نتعلمُ منهم رغم عدم درايتهم بأنهم ييستخدمون الذكاء العاطفي ويؤثرون عليك في حبهم.

ولكني أيضاً رأيتُ أناساً يبالغون في هذا الأمر لدرجة أني أحياناً أشعر بأنهم يستخفون بعقلي. ولذا عليك عزيزي القارئ أن تنتبه. فالأفضل ألا تطرح أسئلةً وأنت تعرف إجابتها معرفةً يقينية، فإن هذا سيُرسل مشاعر سلبية إلى مَن أمامك، وسيشعر بأنك تستخفُ بعقله وذكائه. أعرف أن الخيط رفيع بين الأمرين هنا ولكن عليك أن تحرص كل الحرص على الموازنة بينهما وإلا بدلاً من أن تُحبّبَ الناس فيك، ستجعلهم يكرهونك.

الخلاصة:

حُبُّ الناس نوعُ من أنواع أرزاق الله تبارك وتعالى. ولابد أن نعلم أن النفوس مجبولةُ على حُبِ مَن أحسن إليها. لا يقتصر الإحسانُ هنا على إعطاء المال والهدايا، وإنما يمتد إلى التقدير. فإن الناس يحبون مَن يقدرهم ويقدر علمهم. ومن أنواع التقدير أن تُشعر الناس بقيمة علمهم ومعرفتهم، فإن فعلتَ ذلك ملكتَ أحد مفاتح قلوب الناس. ومن أهم الأسرار التي تجبر بها مَن أمامك على أن يحبك هو أن تطرح عليه سؤالاً يكونُ سعيداً ومنتشياً عن إجابته.

لديك مزيدُ من الأفكار؟ شرفني بتعليقك أو شارك المقال إن إعجبك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *